الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة مسرحية «تلاشي» لمحمد الداهش وعمار اللطيفي: رسائل ساخرة موجعة من تونس المنسية والمهمشة

نشر في  09 جوان 2014  (22:43)

بين الجدّ والهزل، تمشت مسرحية «تلاشي» لمحمد الدّاهش وعمار اللطيفي لتحملنا إلى واحد من أبرز مراكز خيبات الثورة ولتنقل حالة الاستياء العميق الذي أضحى يشعر به عديد التونسيين إزاء ما آلت اليه ثورة حملت أحلاما وآمالا منقطعة النظير.

من قلب هذا الإستياء، ينطلق الداهش واللطيفي ليرسما صورة «المفارقة الكبرى» التي يعيش على وقعها الوطن، بين أرض خصبة معطاء، وبين قحط فكر المسؤولين، بين شباب مثقف وواع وطبقة سياسية «بليدة» الذهن منافقة، بين رغبة تونسية تنشد الحياة وبين غبن مؤسسي لم يسع الا لطمس المبادرات وخنق الطاقات الشابة.

وعلى هذه الوتيرة ينحت الثنائي محمد الداهش وعمار اللطيفي، ملامح «المفارقة الكبرى»، تلك التي لا يمكن أن يتقبلها أيّ عاقل، إذ أنّها تعكس حجم الهوّة السحيقة بين الشباب الحالم والواعد وبين من تجاهلوا شبابها وخيراتها، فتعددت المضامين التي تكشف النفاق والتكالب على السلطة والوعود الزائفة.

ومن الرسائل الموجعة التي تضمنتها المسرحية، رسالتان إلى وزيري الفلاحة والثقافة اللذين ظلاّ «أصغر» مما كانا ينتظر منهما، فأين هي المبادرات التي تشفي الغليل وأين هو الحوار المنتظر وأين هو إشراك الطاقات الشابة؟ وكأنّ بالمسرحية تقول إنّ كرة الحكومة ضربت على العارضة ولم تحقق أية نتائج مأمولة، كرة أخطأت المرمى بسبب التعالي وسوء التقدير ومواصلة سياسة التهميش.

وقد استوقفنا في هذا العمل المسرحي الذي انصهر في التلاشي إلى حدّ الذوبان والعودة الى أديم الأرض التونسية المعطاء، الجانب الكوريغرافي، حيث سخّر عمار اللطيفي جسده في عديد اللوحات ليرسم تحليق النوارس الحرة وثورة الحواس واصرار الجسد التونسي الموجوع على المقاومة وليعبر بلغة الجسد عمّا إستقر في العمق وفي الدواخل من أحاسيس... كما لم تغب عن «تلاشي» المواقف الهزلية ومنها لوحة المواطن الذي يتحدث بلغة شبيهة باللغة الروسية، فيصب جام غضبه ويرعد ويزبد من تواصل تفشي الفساد والرشوة والمحسوبية وغيرها من المظاهر السلبية، وكذلك لوحة "الأمبريزاريو" التي لم تخل من السخرية.

وقد جمع المخرج محد الداهش في «تلاشي» -التي عُرضت بفضاء التياترو يوم 5جوان- بين تقنيات مسرحية وأنماط موسيقية مختلفة أعطت للعمل طابعا خاصا جمع بين سحر النغم وسلاسة الكلمة وجغرافيا المكان غير المستقر، وتماهى أداء عمار اللطيفي على الركح مع فيديوات تصويرية تمّ بثّها بالتوازي في الجزء الخلفي للركح، فتضاعفت الصورة، وتضاعفت الرسالة وكأننا بين حلم ويقظة، بين واقع وهلوسة... ونعتقد أنّه كان بالإمكان -من خلال هذه المشاهد الموازية- التعمق في فكرة «المفارقة» التي جاءت في صلب تيمة العمل المسرحي وأعطته كل بعده.

في مسرحية «تلاشي»، انتصر محمد الداهش وعمار اللطيفي لصوت التونسي الذي سئم تلاعب السياسيين بمستقبل البلد، لصوت التونسي الذي خذلوه ولم يشركوه، لصوت التونسي الذي ظلّ يعيش على الهامش رغم الخيرات المتوفرة والطاقات الزاخرة عسى أن تعود مياه الوطن الى مجاريها بفضل جهد كلّ أبنائها دون إقصاء وعسى أن ترتجّ العقليات الجامدة ويعي الساسة أنّ الغضب سيظل قائما والوجيعة ضارية طالما ظلّوا مصرين ـبغباءـ على انتهاج مسالك الاقصاء والتهميش غير عابئين بديناميكية الشباب وبالطاقات الكامنة فيه. وقد توفّق الثنائي الداهش واللطيفي في رفع رهان تبليغ هذا المضمون الجدي بروح فكاهية مميزة.

شيراز بن مراد